خطوتي الأولى في رحلة العلاج النفسي
قصص من وحي العيادة النفسية
خطوتي الأولى في رحلة العلاج
عند باب العيادة النفسية كانت بداية الامل
بداية صفحة بل كتاب وعهد جديد في حياتي
ليتني زرتها من سنوات
ليتني علمت معنى أن يفرج همك وغمك النفسي
كانت أول زيارة لي لم أنم ليلتها
لكن لا بأس فقد كنت نائما شهر قبلها ليل نهار ..
كنت خائفا …فرحا…
متوجسا …شاعرا بقرب نهاية الظلام الذي أعيشه
متحيرا ..ترى هل سأنجو من ذلك الكهف الأسود …
ما تلك العصا السحرية التي ستنجيني …
هل حبة الدواء ..
أم كلمتين يتفوه بهما ذلك الطبيب ..
لنرى ما عنده ..
فأنا بالأساس مدمر محترق ..
ترى ماذا أتكلم
من أين أبدأ
هل ما سأقوله سخيف ؟
فأنا أعاني من ضيق شديد
يكبلني ويشل حركتي
يبقيني في الفراش
يمنعني من أداء أي نشاط يسير
بل يمنعني من أداء أكثر واجباتي
يعيقني عن التكلم أو لقاء أحد
مل مني من حولي
ملو من يأسي ومللي وحزني
يهزؤوني ويستسخفو ألمي مرات
ويخرجوني عن الملة مرات أخرى
يقولون المؤمن لا ييأس كل هذا اليأس
فأشعر بالذنب وأقول في نفسي أنا لا أعرف الايمان اذا
قالو عني مسحورا او ممسوسا وأحضرو لي المشايخ والمشعوذين فلم يزدني الا الما وبؤسا
أضعت موعد اختباراتي للمرة الثالثة في كليتي كلية الهندسة ..
لقد تخرج أصدقائي هذه السنة وبدأو بتحقيق أحلامهم ..
وأنا مازلت في السنة الثانية أضيع أحلامي .. بل أرى أحلامي في منامي ..
أرى فشلي الذريع في مستقبلي المظلم ..
من أين تأتي الناس بالطاقة والنشاط كل صباح تذهب لأعمالها ومسؤولياتها الرتيبة ..
ألا تمل .. ألا تتعب ..
ثم ماذا بعد كل هذا الجهد الدؤوب والعمل المستمر الا الموت المحقق ..
أهذه هي الحياة .. لماذا لا نختصرها ونرتاح ..
لقد صرت اتمنى الموت والخلاص من حياتي التي لا حياة فيها ..
فأنا لا استحق الحياة.. ميت على هامشها .. عبئ عليها ..
عبئ على من حولي …
أهذا يكفي أن أذهب للطبيب ؟!
ترى ما ردة فعله
هل سأبدو له شخص سخيف ؟
الساعة السابعة
لقد قرب موعد الجلسة
قمت مسرعا على غير العادة
نظمت غرفتي وسريري الذي مل من استلقائي منذ أشهر (وكأنها سنوات )
ظللت واقفا أبدل في ثيابي فقد أصبحت كبيرة .. نعم فقدت جزءا لا باس به من وزني ..
كانت أول وأجمل زيارة لي لهذا المكان الجديد ..
علمت أشياء كثيرة عن اضطرابي ..
ليتني كنت أعلمها لسهل علي أشياء كثيرة ..
علمت أني لست أفكاري فأنا منفصل عنها ..
علمت أنه لا داع أبدا لأن أعيش مع معاناتي كل هذه المدة مع وجود علاج لها ..
علمت أن كل تلك المشاعر والافكار والمعاناة أساسها الاكتئاب ..
علمت أن الاكتئاب اضطراب يحتاج لعلاج ..
وأنه يأتي على كل البشر .. فكلنا معرضون له .. لا دخل له بقوة الايمان او ضعفه ..
علمت وعلمت وعلمت …
ومع مرور الجلسات تعلمت طرقا وتقنيات أخرجتني من الظلام الدامس ..
قد يستغرب البعض .. نعم فأنا ممتن للاكتئاب ..
بفضله خضت تجربة لم تشفني منه فحسب
بل كانت تجربة أعمق بكثير ..
عرفتني من انا
ماذا اريد
أعطتني بعدا أعمق عن نفسي
عن الحياة
عمن حولي
أصلحت فيّ كل شيء عالق
كل شيء غير مفهوم
علمتني كيف أعيش
كيف أقدر نفسي
كيف أستغل نقاط قوتي
وأنمي وأرحم ضعفي
علمتني كيف أتحرر من قيود فكري
فالاكتئاب أفكار بئيسة تقيدك و تجعلك جثة هامدة
هو قيد الفكر و القلب
في العيادة وجدت الراحة والأمان
فلا أحد يحكم عليك وعلى أفعالك مهما كانت
أهدافك جميعها مهمة وتؤخذ بعين الاعتبار
بعد تلك الرحلة العظيمة التي استمرت أشهر
نعم لقيت جوابا عن سؤالي
نجوت من ذلك الكهف الأسود .. لكن ليس بالعصا السحرية
لقد نجوت بارادتي واصراري
وبمساعدة الطبيب
فكلانا تعبنا وخضنا جلسات فيها الالم والامل ..
والضحك والبكاء …
لكن ما اجمل ذلك الألم الذي يرفعك وينجيك ..
أمام الألم الذي كنت تشعر أنك لن تنجو منه في حياتك ..
تم كتابة هذه المقالة بواسطة : الاخصائية رنيم المالح