الجلسات النفسية: خلاصك المذهل من عذاب الهلع

قصص-وتجارب-من-وحي-العيادة-النفسية.jpg

الجلسات النفسية: خلاصك المذهل من عذاب الهلع

من الصعب، بل من المؤلم للغاية، أن أفتح صفحات تجربتي المرة وأبوح لكم بها، لكنني مضطرٌّ لذلك على أمل أن يجد فيها أحدهم طوق نجاة. كانت قاسية، مريرة، زلزالاً أصاب كياني، مزّق روحي لشهور طوال. كنت أُهرَع إلى أي نصيحة، أي مقالة، أي كلمة من شخص أو موقع تصف ما أمر به، تضعني على أول طريق الأمل، تمنح اسماً لذلك الشعور الذي تملّكني. هل هو نفسي؟ عضوي؟ مس أم سحر؟ هل سأنجو من هذا الكابوس الذي يلاحقني في يقظتي ومنامي؟ إليكم قصتي، قصة طالب يدرس في جامعة ببلاد الغربة، بعيداً عن أهله وأرضه.

بعد يوم حافل كعادته بالمحاضرات والواجبات وزحمة الطرق المؤدية إلى منزلي، وصلت أخيراً منهكاً وجائعاً. كان إحساس غريب بالخوف الشديد وعدم الارتياح يتسلّل إلى أعماقي، شعورٌ لا أعرِف له سبباً. وقفت في المطبخ لأعد عشاءً خفيفاً، وإذ بالغرفة تدور حولي سريعاً. جلست على الفور، شعرت بضعف مفاجئ في عضلات جسدي، وبدأت أطرافي تنتمل وترتجف بعنف. ضاق صدري بشكل لا يطاق واشتد فيه الألم، وبدأ قلبي يخفق بعنف أشعر معه وكأنه سيقفز من مكانه، حتى شعرت باختناق رهيب، وكأن رقبتي عالقة في عنق زجاجة، عاجزاً عن أخذ أنفاسي. في تلك اللحظة الرهيبة، وقع في نفسي أن الموت المحتَّم قد أتى، نعم، إنه الموت لا محالة. ماذا أفعل وأنا وحدي في هذه الغربة الموحشة؟ كانت أصعب خطوتين أخطوهما في حياتي لأصل إلى هاتفي. استطعت بصعوبة بالغة، وبقوة لا أعرف من أين جاءت، أن أصل لصديق لي وأخبره بكلمات متقطعة أني أموت!

كانت تلك اللحظات الأصعب في حياتي، معارك ضارية خضتها مع جسدي وكأنها ساعات لا تنتهي. لم أعد حزيناً على غربتي عن بلدي، بل شعرت بغربة أشدّ عن نفسي، وعمن حولي. من أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وما هذا المنزل الغريب الذي أصبحت وكأنني لا أعرفه؟ دخل صديقي من باب المنزل، ووجدَني جثة هامدة على الأريكة، لا أقوى على الحراك، أتعرق بغزارة، وألهث بشدة، غير قادر على النطق بكلمة واحدة. سألني مندهشاً ومذعوراً: ماذا حصل؟ أجبته بيأس وبلادة لم أعهدها: قل لي ما الذي لم يحصل؟! ما أصعب الموت! هل هذا موت أم اختلاج عقل؟ لقد فقدت السيطرة الكاملة على جسدي! لا، إنها أزمة قلبية حادة لا رجعة فيها! نعم، لقد نجوت منها الآن، لكن لن أنجو منها غداً. أخذني صديقي لأقرب مركز طبي، وهناك أجريت جميع الفحوصات والصور، وجاءت جميعها سليمة، خلاف كل توقعاتي وأوهامي. قلقتُ أكثر وأكثر، وتملكتني الأفكار السوداء، متى ستأتي تلك الأزمة اللعينة مرة أخرى؟ وأين؟ في الجامعة أم في الطريق العام؟

في مواجهة الخوف المستمر والإلحاد الأولي في الجلسات النفسية

مرت الأيام وأنا حبيس خوفي، أترقب جسدي في كل لحظة، أراقب كل نبضة وكل شهيق وزفير. أصبحت أقضي وقت فراغي في بحث مضني عن مسمى لمشكلتي وحل لها. لم أجد في قاموس فهمي سوى تفسير واحد: أزمة قلبية. نعم، فذلك الطبيب لم يخبرني الحقيقة، أو ربما لم يعرفها. ذهبت لأطباء كُثر في محاولة يائسة للعثور على إجابة، حتى نصحني أحدهم بزيارة طبيب نفسي. ضحكتُ مستهزئاً بمرارة وقلت له: وهل هناك علاج لمرضي هذا عند طبيب نفسي؟! لكن لا أخفيكم، ظل كلامه عالقاً في ذهني لشهور طويلة، صداه يتردد في داخلي مع كل نوبة جديدة.

استسلمت في النهاية، فمن المؤسف أن أخبركم أن تلك الأزمة أصبحت ملازمة لي كل يوم، تتحول فيها حياتي إلى جحيم. لم أعد أجرؤ على الخروج من المنزل، فقد أصبحت حبيسها، أو بالأحرى، حبيساً لترقبها المخيف. كنت أنتظر الموت، لأن مرضي لا نهاية له سوى الموت، هكذا كنت أتوهم. كانت حياتي قد توقفت تماماً، وتلاشت أحلامي وطموحاتي، حلّ مكانها الخوف الدائم من المجهول ومن جسدي الذي ظننت أنه انقلب عليّ.

الجلسات النفسية: لمحة أمل وبدايةُ فهم

في أولى اللقاءات، استمع إليّ بهدوء وتفهّم عميق، ثم كان أهم ما أخبرني به الطبيب النفسي أن هذه الأعراض المروعة التي اختبرتها هي أعراض اضطراب الهلع. يأتي اضطراب الهلع على شكل نوبات من الخوف الشديد والذعر المترافق مع أعراض جسدية مؤلمة جداً، مثل خفقان القلب، ضيق التنفس، الدوخة، الرجفة، والتعرق، تماماً كما وصفت. وأوضح لي أن هذا الاضطراب يتسبب أيضاً في ترقب شديد ودائم لهذه النوبات، مما يعطل الحياة ويجعلها جحيماً. وأغرب ما ذكره أن نوبات الهلع هذه ليست مميتة ولا قاتلة على الإطلاق! رغم ألمها وعذابها الذي يجعلها حقاً زلزال النفس. طمأنني أنها شائعة الحدوث، وتصيب ما بين 10 إلى 15% من الناس في مرحلة ما من حياتهم.

شرح لي أن اضطراب الهلع ليس له سبب واحد محدد، بل أسباب عديدة ومتنوعة؛ فنحن البشر، وأفعالنا ومشاعرنا وحتى أجسادنا تتأثر بأفكارنا. قد تكون هذه الأفكار على شكل مخاوف متعددة، مثل الخوف من المرض، من الفقر، من الفشل، من السفر، من الحاضر والمستقبل، وكل ما هو جديد وغير مألوف. كما أن للمخاوف والأفكار التي زُرعت في طفولتنا أثراً بالغاً وكبيراً على صحتنا النفسية. أخبرني أنه بعد حدوث النوبة الأولى، يصبح لدى الشخص المصاب ترقب شديد ودائم لأي تغير بسيط وطبيعي في جسده. وهذا الترقب يدفعه لإيلاء هذا التغير انتباهاً كاملاً، ويستجيب له بخوف شديد بسبب التجربة المؤلمة الأولى التي مرّ بها. لقد كان من الصادم والمخفف في آنٍ واحد، بعد كل هذه المعاناة والبحث المضني بين الأطباء عن حل، أن أكتشف أنه اضطراب نفسي، وأن هناك مخرجاً من ضيق هذه الدوامة الخانقة!

الجلسات النفسية: طريق العودة إلى الحياة

بعد عدة الجلسات النفسية مع الطبيب، بدأت أستعيد نفسي، وعدت إلى الحياة، وعادت الحياة لي. بدأت النوبات تقل بالتدريج، يتناقص ترددها وشدتها، حتى اختفت تماماً وأصبحت جزءاً من الماضي. استعدت قدرتي على الخروج من المنزل، وعدت لمتابعة دراستي، واستمتعت بحياتي الاجتماعية من جديد. أصبح للحياة طعم جديد مختلف، طعم لا يعرفه إلا من مرّ بتجربة كهذه ثم شُفي منها. لقد كانت الجلسات النفسية هي مفتاح هذا التحول الجذري، هي بوابتي للعودة إلى النور بعد ظلام دامس.

إن الكشف عن اضطراب الهلع والتعامل معه من خلال الجلسات النفسية ليس فقط علاجاً للأعراض، بل هو رحلة نحو فهم أعمق للذات، وكيفية التعامل مع الأفكار والمشاعر بطريقة صحية. هذا يمثل خلاصاً حقيقياً من عذاب يصعب وصفه، ويؤكد على أهمية عدم التردد في طلب المساعدة المتخصصة. فلا شيء يستحق أن نسجن أنفسنا في دوامة الخوف والألم بينما هناك يدٌ ممدودة لنا تنتشلنا منها.

#قصص_وتجارب_من_وحي_العيادة_النفسية
تم كتابة هذه المقالة بواسطة: الاخصائية رنيم المالح
احجز جلستك الآن.


اترك تعليقاً

كن متاكداً بأنه لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مشار إليها بـ *


منصة السعادة النفسية


بكلمات قصيرة


منصة السعادة النفسية تُعتبر منصة رائدة في تقديم خدمات الصحة النفسية للعرب حول العالم.
نقدم خدمات عالية الجودة وبشكل مريح وسهل عبر الإنترنت، حيث يقوم أخصائيون مدربون و مؤهلون تأهيلاً أكاديميا عالياً بتقديم الدعم.




الإشتراك


اشترك في نشرة منصة السعادة النفسية لتلقي كل جديد من العروض والخصومات والفعاليات والورشات التدريبية.





    جميع الحقوق محفوظة – منصة السعادة النفسية